موضوع رواية كوخ العم توم
كتبت (هيريت بيتشر تشاو) هذه القصة، قبل تحرير العبيد؛ حيث عبّرت فيها عن قضية الرقّ والعبيد، فهي قصة مأساوية رقّت لها القلوب، وبكلماتها استطاعت أن تغيّر حال أمةٍ.
وصفت رواية كوخ العم توم واقع المجتمع الأمريكيّ في القرن التاسع عشر عشر الذي سخطت عليه هيريت وحاولت بكلّ جهودها تغييره، حيث ليس للعبيد حقوق إنسانيّة، أو احترام وترتكب بحقهم الجرائم تحت عين السلطة وبسيادة القانون، فيعانون من العنف، وفقدان أبسط الحقوق كالحقّ في الزواج وتكوين الأسر، ونظرة الاحتقار والدناءة التي يرمقهم بها الأسياد كمخلوقات دنيا لا تستحق المعاملة الإنسانية فضلاً عن الحبّ، ويخضع لهذه المعاناة كبيرهم وصغيرهم فيفصل الأطفال عن أمهاتهم ليباعوا هنا وهناك، ويفقد الرجل زوجته لأنّه لا قانون يقرّ ذلك الزواج، وقال بعض مؤرخّي أمريكا: "أثارت هارييت بيتشر ستو ما لا يقل عن مليون قارئ عندما قدّمت روايتها كوخ العم توم صورة محزنة لأحوال العبيد، والقسوة التي يعاملون بها، مما جعل عدداً كبيراً من الناس يحيطون علماً بنظام الرق الذي يجري داخل حدودهم".
تلخيص قصة كوخ العم توم
تدور أحداث هذه القصة حول العم توم، حيث كان يعمل توم خادماً لدى السيّد شلبي، ويقوم بإدارة المزرعة، كان العمّ توم مخلصاً في عمله، ومتميّزاً في بنيته القويّة وصدره العريض ولونه الأسمر، وكذلك بثقته المتواضعة، وإحساسه المرهف.
في أحد الأيام اضطر السيد شلبي لبيع العم توم إلى السيد هالي مقابل دينٍ كان يتوجّب عليه دفعه إلى السيد هالي، فوافق بشرط أن يأخذ معه جيم ابن إليزا، وهي امرأة كانت قد نشأت في منزل عائلة شلبي، وعندما سمعت إليزا كلامهما عن بيع العم توم وابنها، قررت الفرار، ونصحت العم توم بالهرب أيضاً، فقد خسرت زوجها وطفليها قبل ذلك، ولا تتحمّل خسارة شخصٍ آخر؛ لكن العم توم رفض الهرب، وأصّرّ على البقاء؛ وفاءً لسيّده، بينما آوت عائلة معارضة للرقّ إليزا وابنها، والتقت إليزا الهاربة مع ابنها بزوجها جورج، الذي فرّ من العدالة، بانتظار لقاء زوجته ليفرّ من البلاد، وتوجهو سوياً إلى كندا، وكان طريقهم محفوفاً بالمصاعب.
يصعد العم توم على متن الباخرة التي تنقل العبيد ليباعوا في ولايات أخرى، فتتوطّد علاقته بالطفلة إيفا ويصبحان أصدقاء، وتشتري عائلة سانت كلير الغنيّة العم توم بعد أن تصرّ الطفلة إيفا ابنة العائلة على ذلك.
كانت إيفا تحلم بتحقيق الحرية للعبيد، لكنها تموت بعد مصارعة مرض شديد، تاركةً وراءها وصية لوالدها، بأن يقوم بتحرير العم توم؛ لكن الأبّ مات بعد أيام، ولم يحقّق وصية ابنته، ورفضت الأمّ تحريره، وقامت ببيعه.
بِيع توم بعدها لليغر وهو رجلٍ سيءِ الطباع، كان يضربه، ويعذبه، ويعامله بقسوة، وتجرّع العم توم أشدّ المعاناة، مع أنّه مخلصٌ في عمله، وتحاول زوجة العم توم التي بقيت تقيم في منزل السيد القديم العمل في محل حلوى لتفديه، فتستمرّ في العمل الشاق لخمس سنوات وتدخّر لها السيّدة المال.
ينطلق السيد جورج ابن السيد شلبي للبحث عن العم توم لاسترجاعه فيعرف ببيعه للسيد ليغر، فيتخذ الطريق ليحرّره؛ لكنه كان على الفراش يلتقط آخر أنفاسه، فمات العم توم، قبل أن يستطيعا إنقاذه، وأقسم جورج على قبر العم توم ألا يمتلك عبداً، وجمع العبيد ليعيد عليهم مشهد موت العمّ توم، قال لعبيده: " انطلقوا إلى الحرية؛ ولكن تذكّروا أنّكم مدينون لذلك الرجل الطيب العم توم، وردّوا ذلك الجميل لزوجته، وأبنائه، وفكروا بحريتكم كلّما رأيتم كوخ العم توم، واجعلوه نصباً تذكارياً؛ لكي تسيروا على خطاه وكونوا مؤمنين؛ وأوفياء كما كان".
تجسّد شخصية العم توم، شخصية العبد المناضل والمقاوم، الذي لا يعبّر عن رأيه ومعاناته فقط، بل عن آراء مجتمعٍ كاملٍ، ساهم في تغيير التاريخ، ورسم بفكره مستقبل مشرق للجميع.
قصة كوخ العم توم من أشهر القصص في تاريخ الأدب، ولأنّها تحاكي ظاهرةً اجتماعية؛ فهي قصة مممتعة ومشوقة، تجعل الجميع آذاناً صاغية عند سماعها.
المؤلفة هيريت ستو
هيريت بيتشر مؤلفة أمريكية، من عائلة بروتستانتيّة، والدها ليمان بيتشر مبشر بارز، ولدت في عام 1811م، وهي الابنة السابعة لأبيها وأمها، فقدت والدتها وهي في الرابعة عشرة من عمرها وقيل في الخامسة، وأحزنها ذلك كثيراً، تلقت هارييت تعليماً فكانت مثقفة في مجالات التاريخ، والدين، والعلوم، فكانت تشارك في الحركات النسائيّة وعملت في التعليم.
تزوجت هارييت في السنة الخامسة والعشرين من عمرها من كالفين ستو، وكان مسانداً لها في أعمالها فهو أستاذ معنيّ بالشؤون الدينيّة، ولاعتنائهم بشأن قضية تحرير العبيد كانا يؤويان العبيد الهاربين، حظيا بسبعة من الأبناء إلا أنّ ابنا لهما مات جراء إصابته بالكوليرا.
كان للأحزان والظروف المعيشيّة والتوجّهات الدينيّة لهيريت الأثر في بدئها العمل في الكتابة فنشرت كتابها الأوّل "زهرة أيّار" في عام 1843م، وكانت قد بدأت منذ عدة سنوات بكتابة روايتها كوخ العم توم، وهنا نورد نبذة عن ظروف كتابة ونشر الرواية وتأثيرها.
كانت قضية الاستعباد في القرن التاسع عشر القضيّة السياسيّة والاجتماعيّة الأكثر أهميّة في أمريكا، فثارت الجدالات بين دعاة الاستعباد والمعارضين له، وأصبح المواجهات أشبه بثورة ضدّ الرقّ شارك في ذلك عدد من الصحف وبعض الأثرياء ونشأت عدد من الجمعيّات لخدمة القضية، إلا أنّ الأمر لم يخل من بعض المؤيّدين للرقّ خصوصاً أنّ المناطق الجنوبيّة من أمريكا كانت تعتمد كمجتمعات زراعية مصدّرة للقطن على نظام الرقّ، وكان للدعوة المعارضة تأثيرها في الانتخابات الرئاسية ومجلس الشيوخ، فألغت بعض المقاطعات الرقّ، وأوشك الشمال والجنوب على الانفصال، إلّا أن القانون لم يكن في صفّ المعارضة فكان يسمح للأسياد باستعادة عبيدهم الفارّين، وفي عام 1850 صدر قانون يقضي بمعاقبة من يهرّبون العبيد.
في ظلّ هذه الظروف نشرت هيرييت روايتها في إحدى الصحف المعارضة للرقّ، وهي "ناشيونال إرى" حيث أرسلت لمحّرر الجريدة رسالة تفيد عزمها على نشر الرواية وكتبت فيها: "أشعر الآن أنّه حان الوقت الذي يجب فيه حتى على المرأة أو الطفل الذين لهم القدرة على قول كلمة من أجل الحرية والإنسانية أن يتكلموا... آمل ألا تصمت أيّة امرأة تستطيع الكتابة"، ونشرت القصة في حلقات أسبوعية بعدّة مسمّيات حتى عام 1852م، ثمّ نشرها جون بي جويت في كتاب واحد، فبيعت منها ثلاثة آلاف نسخة في أوّل يوم، وأكثر من ثلاثمئة ألف نسخة خلال عام، وما بين العام 1852 والعام 1860م طُبعت الرواية باثنتين وثلاثين لغة مختلفة، وانتشرت في أوروبا انتشاراً واسعاً، وكان لهذه الرواية ونشأة حزب الأرض الحرّة الأثر في إلغاء الرقّ في الشمال فشبّت حرب أهليّة بين الشمال والجنوب على مدى أربع سنوات شهدت الكثير من المراحل والتغيّرات كسبها الشمال في العام 1865م، فألغي نظام الرقّ، وذكر إبراهام لنكولن الرئيس الأمريكيّ السادس عشر أثر هذه الرواية في نشوب حرب الانفصال: " المرأة الصغيرة التي أشعلت هذه الحرب الكبيرة"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق